(تجليات الجانب الإنساني على البعد الوجداني) بقلم: رائد مهدي… من العراق. قراءة نقدية للمجموعة الشعرية (خلجات) للشاعرة التونسية منيرة الحاج يوسف.
1 min read(تجليات الجانب الإنساني على البعد الوجداني) بقلم: رائد مهدي… من العراق
قراءة نقدية للمجموعة الشعرية (خلجات) للشاعرة التونسية منيرة الحاج يوسف.
البداية: قد يبر المرء والديه بالدعاء والمعاملة الحسنة وقد يبر مجتمعه بالعمل الصالح والمعروف ويسبق ذلك بره بنفسه فيمنحها مايلزمها من ألأدوات ويسخر لها شتى الإمكانيات لتعبر عن ذاتها وتطلق تجربتها على فضاء الاهتمام والتلقي، ومن البر أن الذات الشاعرة تجربة لابد لها من الانبثاق والإعلان من أجل ارتقاء الشعور والإحساس بجماليات الوجهة الإنسانية والرؤية العميقة الشيقة للأحداث.
في مستهل القراءة النقدية نتطرق إلى:
تنوع المساحات التعبيرية في النص: في نصها الأول “أغنية لأمي” نجد الشاعرة قد كتبت نصها على مساحات تعبيرية متعددة منها : أولاً: ألمساحة الاعتيادية للتعبير والتي تبدأ من قولها: “حين يكون الكلام عن الأم ماذا أقول”وإلى قولها: “وكل الحروف وإن نمقتها القوافي في تخر … تفر المعاني”.ثانياً : المساحة الاستثنائية للتعبير والمتصلة بأعماق قلب الإنسان ومشاعره وانطباعاته حيث نوهت عن تفاصيل تلك المساحة وأعطت للصمت معنى ووجهت بها المشاعر إلى مستقر وكشفت عن صور خلابة من ذلك العالم الذي يستبطن الصمت فعادت لنا بالسلام لأمها والورد والحب وتبدأ تلك المساحة من قولها: “ومهما بحثت عن المفردات فإن شرودي يطول” وتنتهي بقولها : “سلاماً لأمي ووردا لأمي وحباً لأمي” ثالثاً: ألمساحة التعبيرية المفتوحة بينها وربها التي وجهت خطابها من خلالها إلى الرب لأنه وحده الذي يملك الجواب والجزاء فتتساءل في محضر الرب قائلة : “فيارب كيف لمن بالمحبة قد عمدتني أرد الجميل”، ويمكنني القول إن هذا النص كتب بدافع إنساني حين عبرت عما تريد على مساحة الإنسان الاعتيادية كذلك هو نص إبداعي من خلال مانقلته لنا من عالم أعماقها وتلك المساحة الاستثنائية وبما جاءت به من صور جميلة وفسرت لنا صمتها بأحسن التفسير كذلك هو نص محمل بمشاعر حب لايمكن تصور مداها لذا ارتأت توجيه تساؤلها بمحضر الرب لكونها مساحة مفتوحة أبعد من تصورات البشر وتقديراتهم فهذا النص غني بتفاصيل ذهنية وشعورية وانفتاح لا حد له عبر أواصر المحبة التي تصل الإنسان الى ما لا يتوقعه ولايتصوره فمن يملك المحبة يملك الوصول ويمتلك أدوات الرقي والارتفاع وجدير بالإحساس بجمال الراوبط والصلات.
براعة التصوير والتكثيف: في نصها : (ياصديقتي) ترسم لنا أجمل الصور بالتجرد عن الذات والانتقال التام إلى الطبيعة الأم لكل الكائنات وإلى حب الوطن الذي هو قطعة من الأرض ومساحة خلابة من طبيعتها، أقتبس هذه الأبيات من نصها : “أوصيك بالنخيل وبالزيتون أوصيك بالحروف أوصيك بالوطن” يثير انتباهي كلمتها أوصيك بالوطن أوصيك بالحروف والتي نفهم منها تمسكها بحق التعبير والتواصل لأن الحروف وجدت للتعبير والتواصل مع الآخر فهي تعرب عن حرصها على الروابط الإنسانية وتضمنها وصيتها لصديقتها التي تأتمنها على ما تريد ويمكننا افتراض تصدر الدواعي الانسانية لكتابة ه̷̷ذا النص أيضاً فنجد للصداقة حضورا جميلا ممتدا على مساحة الوطن. أما نصها(جزيرة الجنة) فهو مكتوب بدوافع حبها واعتزازها وفخرها بمدينتها جزيرة جربة التي يحيطها البحر المتوسط بالمياه من كل جهة وتحيطها الشاعرة منيرة بالحب والتقدير من كل جهات القلب. في نصها (قهوتي العربية) تربط ببراعة بين مرارة القهوة العربية وبين مرارة الواقع القريب منها كذلك تربط بين عتمة القهوة وعتمة الافتقاد إلى مرفأ تؤول إليه وتستقر إنه ربط الصور بذكاء باللون الواحد وربط العمق بذكاء ايضاً بالذائقة الواحدة ومن لوازم التكامل الفني للنص ذلك الربط المختصر وتلك المقدرة على التصوير من السطح ومن العمق بأبسط الروابط وتكثيف الصورة باقل عدد ممكن من الكلمات التي تفي بالغرض .
التفنن بتقديم الذات الشخصية في النص: الشاعرة منيرة يوسف في تجربتها الشعرية نجدها تتفنن بحضورها وإحساسها وتمازجها مع الأمكنة وتعمقها بوصف ماتشعر به فهي غنية بالإحساس ولذا لم تكتفي بالإحساس السطحي للأشياء وهنا نقطة مفصلية تميز الذات الشاعرة عما سواها فالشاعر معني بماهو مثير ومحرك لأعماق وعيه والتي هي بدورها تثير خياله وإحساسه وتضرم فيه قنبلة عارمة للتعبير عما يعتريه وإعطائه ما يلزم من جماليات المظهر الذي يصدره من خلاله إلى الذوات المتلقية ففي نصها (حبيبي) هي العاشقة بكل معنى الكلمة، عاشقة بكل ذاتها دون استثناء وفي هذا النص هي تستولد مساحة من أخرى فهي تقول : “حبيبي خذني إليك أنام قليلاً على كتفيك” هي تضغط المساحة المكانية لتستولد منها مساحة جديدة للإحساس والقرب من الحبيب لأن ذلك القرب لايكون له وجود دون انحسار البعد على المساحة السطحية لصالح مساحة الأعماق. إن الشاعرة منيرة تتحرك وتتنقل بمهارة المتمكن من تلك التنقلات فلا تكاد تشعرنا بفراغ أو ثغرة في تلك الانتقالات هي تحسن تقدير الانتقال مابين الصور مهما كان التباين بينها إلا أنها تتفنن بتقديم ذاتها صورة شعرية غنية بمحبة الأم والناس والوطن والأصدقاء إنها في هذه التجربه لم تتكلف العناء بدراسة ذات من خارجها بل أنها جادت علينا من ذاتها الأقرب إليها من كل ذات ولذلك هي لم تحتج إلى المزيد في تخيل ما يحدث في ذات أخرى من خارجها كذلك التجربة الشعرية الشخصية لاتفرط بأبسط التفاصيل دون أن تستولد منه المضمون المميز وتصوره للمتلقي من أشد الجهات إثارة وتأثيرا.
النصوص الوجدانية في مركز الصدارة: أيضاً في نصها: (أماه) هي تحدثنا عن موطن راحتها وشعورها بالأمان. وفي نصها (لغتي العربية) تحدثنا عن لغة مقدسة مجيدة تكتب من خلالها القصيدة على حد قولها. في نصها (ارتعاشة الغياب) تحدثنا عن شخص حول أحزانها إلى مباهج وتستنتج لنا الحب على أنه أحلى موعد يراقص قلوبنا.في نصها (عشق) نجدها تكابد التعب والقسوة وشقاء الفؤاد وجموع الإحساس. في نصها (الجزيرة المتوهجة) هي تدون استحقاقات لتلك الجزيرة التي منحتها المجد والوجد في مطلعها واختتمتها في التاج على رأس الميامين. إن معظم قصائد المجموعة الشعرية كانت قصائد وجدانية وانطباعات شاعرة تجاه مابداخلها وما يعصف بها من أحداث وتجارب، حتى تلك القصيدة التي كتبتها عن السياب فهي تتحدث عبر وجدانها ومن خلاله تتدفق الصور وتولد. تتطرق في تجربتها عن أمنياتها وتجعل من الحب عيدا بمدى الحب ومدته، تحدثنا عن ليل تزينه بكتاباتها وقراءاتها، وعن جوهر من الألماس، وعن ربيع من بهجتها يحتفل على حد قولها.
حضور لافت للمطالب الإنسانية المتنوعة: تحدثنا عن هدايا شهريار الاحتيالية ، تحدثنا عن الشاعرة عفيفة الحاج حسن عن (عطر نداها الشميم لفل مساء شحيح) ، تحدثنا عن ليل الغربة الأليل بالأحزان ، وعن عدم جدوى الكلام ، أيضا من جماليات التشبيه إنها تشبه نفسها بالحياة ، عن هدوء أوصالها وأمان روحها ، عن موج الغياب ، عن غوغاء يرقصون على الأشلاء تحدثنا في تجربتها، وعلى الشهيد الجراح الشاب بدر الدين علوي وعن أنين الوادي والفؤاد معاً عن حروف مشتعلة في الحشاء عن رجل لايشبه الآخرين ، تحدثنا عن عيون السماء ومعانٍ جديدة للحياة ، عن قلب مجروح ، تحدثنا عن أعذب اغنية ، عن مرفأ الأبطال ، عن أبي القاسم شاعر الخضراء، وعن أرواح المغدورين في الوطن الحزين ، تحدثنا عن توهجها بالحب أوان السحر ، عن دقات قلب متسارعة ، عن غصن طري شققه الجفاف، عن العودة للحبيب ، عن فراشات الحرية وأريج الحقول ، عن دمع غزير ينهمل ، عن سيدة السبعين ، عن بلاد يعيش بها الناس قهراً ، عن غواية هوى لعرائس العشق ، عن أقدس الوعود، عن مشاعر لاتموت ،تحدثنا عن وطن منكوب ، وعن حرارة الغياب ، وعن أوديسوس، وعن عتاب لمن يجافيها ، تحدثنا عن تهمة الهوى وما أجملها من تهمة تلك التي تجعل المرء متوهجا على قيد الحب والحياة.
تقييم مختصر للمجموعة الشعرية: إنها مجموعة شعرية متعددة في مطالبها الإنسانية ومضامينها الوجدانية، إنها جديرة بالوقوف على تفاصيلها الحافلة بالجمال، إنها مجموعة تنشد للحياة حبا وسلاماً وتتغنى بإنسانها العاشق المتيَّم.