27/04/2024

.

A good word aimed at the service of humanity

حمولةُ الرمز التقني من سخرية وتهكّم غضبٌ إنساني يدلقه قلم الأديب محمد إقبال حرب/لبنان. في روايته ( العرافة ذات المنقار الأسود) تعضيد نقدي ذرائعي بقلم الناقدة الذرائعية بقلم الناقدة د.عبير خالد يحيي/سوريا

1 min read
Spread the love

حمولةُ الرمز التقني من سخرية وتهكّم

غضبٌ إنساني يدلقه

 قلم الأديب محمد إقبال حرب

 في روايته   

/ العرافة ذات المنقار الأسود/

تعضيد نقدي ذرائعي بقلم الناقدة الذرائعية

د.عبير خالد يحيي

  • تنويه :

نحن الآن نسكن في عصر تكنولوجية الحرف؛ لذلك فكل ما يرد في هذه الدراسة هي تقنيات تكنولوجية علمية فعلينا أن نفتح ذراعينا لاستقبال علم النقد.

  • إغناء :

إن القول بأن الرمزية Symbolism وليدة العصر الحديث والأدب الغربي، هو كلام عار عن الصحة، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار اقتران الرمز بالأسطورة، فإن الأدب العربي، ومنذ آلاف السنين كان أدب الأساطير، فالأساطير الشرقية القديمة هي الأصل، وليس كتابا ( كليلة ودمنة- وألف ليلة وليلة) إلّا نارًا على علم، استلهم منهما الأدب الغربي الكثير، إلى جانب أساطيره، وأن اللغة العربية هي موطن الرمز، وما ثراء الشعر الجاهلي وما بعده إلّا من قاموسه الضخم من الرموز.

والإنسان العربي بطبيعته غيور على إنسانيته، و كاتبنا، محمد إقبال حرب، فتحتْ أمام قلمه التصرفاتُ الهمجية التي هزّت ضمائر وأبدان الشرفاء بالمجتمع العربي ينابيع الغضب، فعبّر عن غضبه بأسلوب مخبوء، وبرمزية صنع لها، أدبيًّا، وجوهًا متنوعة، ليعطي للأدب زئبقية التعبير، فتكلّم بوجه ساخر تهكمي، وآخر ديستوبي، فكان الوجهان صفعاتٍ فوق خدود المجتمع الأحمر والرطانة التي لا تشبع من شهداء الأمة العربية.

  • تجنيسه:

رواية : رمزية – تهكمية ديستوبية سياسية، تتبع مدرسة الفن للمجتمع.

  • البؤرة الأيديولوجية :

عن العلاقة بين الرمز والأنثروبولوجيا (علوم الإنسان)، يقول ( كوليردج):

“إن الرمز يتميّز بشفافية وخاصية الجنس البشري في الفرد الذي يُشار إليه من خلاله”.

لذلك؛ نجد الكاتب محمد حرب وظّف تقنية الرمزية Symbolism  مخلوطة مع تقنية السخرية أو التهكم  Irony، لأنه يريد أن ينتقد الواقع الإنساني  بصورة رمزية، فأعطى الرمز اتجاه، استخدم رمز تقني متشعّب ( تقنية الرمز التقني Allegory)، هو الدجاج، والدجاج رمز الجبن، لماذا فعل الكاتب ذلك؟ لأنه لا يريد أن يفصح عن رأيه السياسي ولا أن يجاهر به، وإنما يريد أن يتكلّم ويذمّ ويتهكّم دون أن يشعر به أحد، ودون أن يحاسبه أحد، وهذا الأسلوب ليس بجديد، وهذه التقنيات ( الرمزية – التهكم) ليس وليدة العصرنة، وإنما هي تقنيات قديمة اتخذها الأدباء الغربيون المنتقدون للوضع السياسي وللكنيسة في القرون الوسطى، وقديمة جدًا عند العرب، يشهد عليها كتاب( كليلة ودمنة) و( ألف ليلة وليلة)، لكن الكاتب  أراد أن يوظّف هذه التقنيات القديمة بصورة عصرية، فجعل لها نتوءات طبقًا لما يريد:

النتوء الأول: انتقاد وضع سياسي.

النتوء الثاني: السخرية من وضع عالمي فوضوي في الوقت الحاضر.

النتوء الثالث: السخرية من جبن الإنسان العربي، وانتقاد صمته العجيب من الاعتداءات المضمّخة بالدم، هذا الخرس الذي يكبّله عن الدفاع عن نفسه حتى، ولا يرقى به سلوكيًّا حتى إلى مظاهرة بسيطة.

هذه السخرية أراد بها الكاتب وطنيًّا أن يعطي مؤشرًا لقيمة الأدب بمبدئه الذرائعي الساند للمجتمع. 

وإذن، استخدام الكاتب للرمز التقني ( الدجاج = الجبن) كان ذريعة لوصوله للعصرنة.

  • على المستوى البصري:

الغلاف الأمامي:

لوحة أو رسمة لطائر منكّس الرأس، لم أستبن نوعه بوضوح، بريش ملون بالأحمر الناري والأصفر والنيلي والأسود.

أسفل اللوحة عنوان الرواية ( العرّافة ذات المنقار الأسود) باللون الأصفر، وتحت العنوان اسم الكاتب محمد إقبال حرب.

العنوان :

العرّافة ذات المنقار الأسود.

العِرافة أوالكهانة أوقراءة البخت وهي ممارسة للتنبؤ بالمستقبل، وعادة ما تمارس بشكل فردي باستخدام وسائل خفية أو خارقة للطبيعة، وكثيرًا ما يتمّ الخلط بينها وبين الممارسة الدينية التي تعرف بالكهانة، وهو الذي يدّعي معرفة الشيء المسروق والضّالة ونحوها.

 العنوان يحمل دلالة (الرمز العام) الذي لا يعرفه إلا الكاتب، ولا يمكن إدراك كنهه إلّا حين يكشفه الكاتب داخل المتن السردي، جاء ذكر العرّافة ذات المنقار القانئ على امتداد المتن إلى أن ماتت في الفصل قبل الأخير، ولم يأت ذكر العرافة ذات المنقار الأسود إلّا في آخر صفحتين من صفحات الرواية، وهذا نوع من التشويق (تقنية التشويق) المصحوب بتساؤلات : إلامَ ترمز العرّافة ذات المنقار القانئ؟ وإلامَ ترمز العرّافة ذات المنقار الأسود؟.

 بذلك يكون الكاتب قد وظّف (تقنية التدوير)، أي تدوير النهاية على العنوان، ماذا أراد الكاتب من ذلك؟ أراه يحاول أن يقدّم لنا استشرافًا عن الحاضر الحالي القريب والمستقبل، فهل ينتهي الحاضر الحالي  بموت العرّافة ذات المنقار القانئ، والتي أحسبها في واقعنا أمريكا, وانتهاء مهمتها؟! إن حدث، فإن سيرورة الأحداث لن تموت، بل ستستمر باستشراف للمستقبل القريب بظهور العرّافة ذات المنقار الأسود، أي بولادة حاضر يركض باتجاه مستقبل كابوسي ربّما أكثر من كابوسية الماضي، بدلالة لون منقارها الأسود، وظهورها بعد حصار طويل، ودعوتها باسم الآلهة وملوك الجن إلى هدم الأسوار، طالما أن للعرّافة ذرّية جديدة، وكهانة جديدة, فاستعدوا لاستقبال القادمين الجدد… فربما يأجوج ومأجوج ( الصين)، من وراء السد، قادمون.

الإهداء:

إلى من أدرك إنسانيته قبل الفناء.

أيضًا، الإهداء يحمل في سياقه ثيمة العمل العامة، كما يحمل دعوة أخلاقية مضمرة للإنسان للعودة إلى حقل الإنسانية قبل أن يفنى.

وبين فصل الاستهلال ( بداية الهمس)، وفصل النهاية المفتوحة ( أخر الهمس)، تمدّد المتن السردي على صفار 332 صفحة عبر فصول كثيرة معنونة بأبرز ما ورد في متن الفصل. ملحمة سردية بأبطالها وأحداثها عبر أجيال ثلاث، والكثير من الدورات التفقيسية.

  • على المستوى الديناميكي :

بعض التقنيات السردية والأسلوبية التي رصدتها في الرواية :

  • تقنية الموضوع أو الثيمة Theme:

 أدار الكاتب هذا العمل حول فكرة عامة:

 وهي الصراع على السلطة، وهيمنة الجزء على الكل، أصول التيارات الفكرية، وتطوّرها التاريخي، وتبلورها على شكل تيارات دينية وطائفية، ثمّ تمثّلها وتجسّدها بتيارات سياسية راديكالية، لها كيانها السلطوي بكامل خططه القمعية السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والعقائدية، فريق عمل متكامل مشحون بالعدائية والعنصرية والمطامع الاستعمارية اتجاه ثروات وأملاك الغير, والرغبة العارمة بالغزو والاحتلال بقصد الهيمنة على مقدرات الشعوب وتحويلهم إلى عبيد في خدمة منظمات عالمية مشبوهة، تعمل على شيطنة العالم, وتسخيره وتسييره تحت أمرتها. بالمختصر هي قصة نشوء منظمة الماسونية العالمية وصراع الحضارات الإنسانية معها، وتدخلها في كل الشؤون بما فيها تعيين رؤساء الدول.

-“الجوهرة المكنونة رئيسة جماعة تدعي السيطرة بالقوة والعلم والثروة هدفها أن تزعزع كيانات وتهدمها من خلال السيطرة على زعمائها عن طريق الفساد والتفرقة والرذيلة هذه الأسلحة تتّخذ أشكالًا متعدّدة حسب كل بيئة ومجتمع”….. ص 299

-“هذه المنظمة بكل أطيافها عدو لأشكال الحياة والحضارات المعروفة فتعمل بطريقة لا يمكن وصفها إلا بأنها شيطانية فهي لا تعطي الحياة قدسيتها وليس لها عزيز تخاف عليه، صديقها اليوم عدوها غدًا”…… ص 200

وأمّا عن الثيمة الخاصة:

فإن استخدام الكاتب للأسلوب الرمزي يُمكّن من إسقاطها على كل المجتمعات ذات الأنظمة القمعية, ومنها مجتمعاتنا العربية على امتداد تاريخها وأقطارها, والتي ابتُليت على حين غفلة وإنهاك بلعنة الصهيونية بعد مهلكة الاستعمار الغربي الذي تتالى عليها منذ غابر الأزمان.

 فكرة خبيثة غرسها الشيطان في عقول قوم صدّقوها بغباء واعتنقوها بدهاء على امتداد حقب التاريخ، وهي أنهم شعب الله المختار، المتفرد بالذكاء والحنكة والعلم والثروة، وكل من عداهم هو من مرتبة دونيّة لا يستحق الحياة، ولكن يستحقّون أن يمِنّوا عليهم بالعبودية لقاء إبقائهم على قيد الحياة، حملوا الغلّ من أيام سنوات التيه، وأرّخوا لتاريخهم الحديث من حادثة المحرقة النازية، ورفعوا الوعد الشؤوم حقًّا مقدّسًا واجب التحصيل، وعد قطعته بريطانيا، وهي تلمّ آخر أذيالها الاستعمارية من البلد المقدس فلسطين، شيء خبيث تقيّأته من جوفها العفن، لتضمن ثأرها عبر العصور القادمةن ولتكفّ به عنها  شرور بني صهيون، الذين  كلّما خبا إوار عزيمتهم جاءت عرّافة مرسلة من شياطينهم لتنفخَ جهنم فيهم.

هي إذن، وبالمختصر، قصة نشوء الكيان الصهيوني، وغرسه خنجرًا في خاصرة الشرق الأوسط، وفي قلب الأمة العربية، وتبعاته من خيانات الحكومات العربية وتاريخ الذّل والتطبيع المباشر والمستتر، والانكسارات السياسية والاقتصادية، التي حملت تبعاته الشعوب العربية فقرًا وقمعًا وتجهيلًا.

في معرض هذه الثيمة عرض الكاتب لتابوهات الدين والسياسة:

 حلّل العلاقة بين تجّار الدين والمشعوذين والحاكم:

هناك عقد متعارف عليه بين تجار الدين والمشعوذين من جهة وبين الحاكم من جهة أخرى، كل يؤمّن للآخر ما يرضي رغباته، يزرع الكذبة والخوف في قلب الرعية على حساب سكوت الحاكم عما يكسبونه من ميزات….. ولكل حاكم تعاويذه وآلهته، لذلك يتفاوت الحكم الفعلي في كل عصر بين الأقوى من الفريقين، فعندما يكون الحاكم قويًّا، يستغل رجالَ الدين لإصدار فتاوى وتشريعات تخدم مسيرته، فيصبح الحلال حرامًا والحرام حلالًا، وعندما يكون الحاكم ضعيفًا يستغلُه رجالُ الدين بالمزيد من الرشى والامتيازات…. ص 207   

عرض الكاتب أيَضًا لاستراتيجية العدو في تدمير الأمم، من أساساتها الحضارية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية، ثم احتلال أوطانها:

“ولجنا إلى عمق حضارتكم فمزقناها، اخترقنا عقول صيصانكم، وغرسنا فيها مبادئ الشر حيث فشلتم في غرس حب الوطن بتاريخه وتقاليده، ليس هذا فحسب بل غرسنا فيهم الكراهية والحقد وعلّمنا دجاجاتكم الرفاهية والكسل، ونفخنا في ديوككم الزهو والخيلاء… لا يحتاج هدم الأمم إلى أكثر من هدم القيم وتشويه التاريخ كما تصغير قدسية الرموز وجعل التفاهة سمة التاريخ الذي تعتز به الأمة، يبدأ تدمير أي أمة من تحقير الأم وهدم دورها المقدس في إسناده إلى خدم  غريب …. صيصانكم رطنوا بلهجتنا … لم يتعلّموا محبتكم وتاريخكم وعاداتكم، بل أصبحوا يهوون كل ما يمتّ لنا بصلة لأنهم تربّوا في أحضاننا نحن الخدم الذين سلبناكم دور الأم والأب على السواء،….. “…. ص 266

عرض لعنصرية الكيان ( النبّوتي), ومبرراتها :

” عنصرية الدجاج الأبيض عنصرية بناء أمة متماسكة، هنالك أمران لا يفترقان في سبيل بناء أمتنا العنصرية … عدو صنعناه من لا شيء لنخيف به أبناءنا، وخوف نؤجّجه، بل نحفره في وجدان دجاج مزرعة أبو نبوت ليتفجّر قوة يخافها أعداء الأمة”…. ص67

وكيف تكون الغاية تبرّر الوسيلة، بإرجاع كل السلوكيات الدنيئة ( جهاد السفاد- الجاسوسية) إلى مراجع دينية مزورة :

“…. بل ورد في الكشكول المقدس أنه يجوز للدجاجات، بل حتى الفراريج أن يمارسن جهاد السفاد كل يوم مع ديك مختلف ما دامت الدجاجة تأتي بأخبار ومعلومات تفيد الأمة “…. ص 63

  • تقنية العرضExposition   :

وهي أسلوب لترتيب الأفكار والأحداث بصيغة توفر صورة أفضل لوضعها في التجربة الكلية للكاتب، هي أشبه بالرسم البياني الذي يساعد الكاتب على كتابة قصة خالية من التداخل والغموض عندما يقاطع المؤلف قصة معينة من أجل شرح شيء ما يودّ إيصاله كرسالة للمجتمع، لغرض توفير معلومات أساسية مهمّة.

يُعدّ المخطط البياني لخريطة القصة من قبل الكاتب أداة توجيهية تساعده على تنظيم أفكاره وزمكانية أحداثه الخاصة والعامة عند كتابة قصة، استنادًا إلى خمسة أسئلة  :

  • من ؟
    • وماذا ؟
    • ومتى؟
    • وأين ؟
    • ولماذا؟

وقد فعل الكاتب ذلك حينما وضع ما أسماه ب ( توطئة) قبل شروعه في كتابة المتن السردي، وضع في تلك التوطئة المعلومات الأساسية التي تجيب عن الأسئلة الخمسة، كيلا يضطر لقطع المتن بتفسير أو إزالة لبس أو غموض:

بعد معركة المناقير الكبرى ( متى)، تفرق من بقي حيًّا من بني دجاجة ( من)، شيعًا وأفرادًا لسنوات طوال (ماذا)، حتى بدأ الديك الذهبي ( من) بجمع الشتات ( ماذا)، في أرض الوطن ( أين) التي نشأ عليها ” سهم ” العظيم (من)، وأثبت قدرة الدجاج على التحدي والتحليق ( ماذا) في علياء السماء ( أين) كطير جوي أصيل(لماذا).

اجتمعت للديك الذهبي ( من) مقادير الحكم فأقام مزرعة واحدة تضم بضعة آلاف من بني دجاجة ( ماذا)، توارثها ( ماذا) الأحفاد ( من ) حتى اليوم ( متى). ولم يتخلّف عن إقامة الوطن الجديد (ماذا)، إلا شراذم قليلة منبوذة ( من)، أقامت عشوائيات دجاجية تسترزق من نقل المؤن وتأمين بعض أنواع الديدان (ماذا) التي تنفع في علاج العقم وزكام الدجاج أو بعض الألوان التي تجمّل عيون الدجاجات اللاتي يغرب عنهن أحد ديوك المزرعة كارهًا ( لماذا).

وهكذا، يواصل الكاتب رسم مخطّط العرض، على الخطّين البيانيَّين للزمكانية، فيُثبّتْ الكاتب خطّ المكان على المزرعة التي أصبحت وطنًا لأحفاد سيدهم سهم، إضافة إلى المزارع الأصغر التي هي بالحقيقة عشوائيات للدجاج المنبوذ، ويحرّك الزمن، ومع حركة الزمن تظهر الشخصيات والجماعات المنتظمة في تيارات فكرية مختلفة، وهم :

عشاق الطبيعة : يؤمنون بالولاء للأرض كما هي وتقبّل الهيئة التي جبلوا عليها، وبأن كل من يسعى إلى التغيير في سيرة الأولين فإنما يسعى إلى تغيير ما أراده الخالق فيوصم بالكفر.

هؤلاء يوازيهم في عالمنا البشري التيار الأصولي السلفي.

وهناك الشجعان الذين يعتبرون رفض الطيران شجاعة وحكمة كي لا تصيبهم لعنة السماء مجدّدًا فيفنوا إلى الأبد، ولهم في سهم الأكبر خير دليل على غضب السماء حين أراد مشاركتها المجد.

يوازيهم في مجتمعنا البشري التيار الديني الوسطي المعتدل أو ما يشبه سياسيًّا حزب الكنبة.

أما أصحاب الفكر المضاد فهم النقّارون الذين يراهنون على أن مستقبل وجودهم على كوكب الأرض يوجب عليهم اتباع تعاليم الجد المناضل سهم الأكبر في السعي حثيثًا للحاق بركب الفضاء قبل أن يستولي عليهم بعض الأعداء…..

ويوازيهم في العالم البشري المتنوّرون ( أهل العلم).   

بعض الأعداء الذين تركوا بذرة شيطانية في دجاج أبيض أشعله ذكي شرير عُرف صاحبه ب ” الزعيم الأكبر”

يوازيهم في عالمنا الصهاينة.

فضلًا عن بعض الدجاج التائه الذي يغيّر رأيه كل يوم، وجلّ هذه الطبقة من الدجاجات الفتيات اللاتي تعبن من وضع البيض الذي يفسد جمال المؤخرة.

يوازيهم في مجتمعنا البشري الأغبياء التافهون.

وبعد أن رسم الكاتب المخطط البياني لعمله الإبداعي, بالزمكانية والشخوص, والتيارات الفكرية، طرح الهدف أو الأهداف التي تستوجب الصراع, فيما بين عناصر الحدث السردي، لتحقيقها.

صراع الحضارات الدجاجية والطمع في السلطة لن يزول ما دام الديك العظيم هو الذي تنق خلفه دجاجات المزرعة وفراريجها.

لكن الخطر الداهم الذي يهدد وجود المزرعة بحد ذاتها أمر جلل، ويستدعي التضحية بكل ما أشرقت عليه الشمس…..

ومن بعد تقنية العرض هذه، التي نظّم فيها الكاتب حبكة القصة، ضامنًا تماسكها،  يمضي مطمئنًا في كتابة عناصر القصة.

إن التقنية الأبرز التي استخدمها الكاتب كأداة ووسيلة لغوية سردية هي:

  • تقنية التشخيص Anthropomorphism/Personification :

وهي التقنية التي قام عليها هذا العمل السردي شكلًا ومضمونًا، ومعروف أنها تقنية قائمة على “تحويل الشيء غير المحسوس إلى محسوس، والمعنوي إلى مادي، وغير العاقل إلى العاقل، وعندما يتم تصوير الحيوانات أو الأشياء غير الحية في القصة على أنها بشر، وهي حالة لغوية بلاغية جمالية …” لأنها تحوّل التقريرية إلى  أدبية، بسبب إخراج اللغة من الحالة الواقعية إلى حالة خيالية تحويلية خاصة.

ولكنها هنا ليست حالة لغوية بلاغية جمالية فقط، يوردها الكاتب ضمن التقنيات الأسلوبية، أي تتخلّل السرد العادي كأمثلة وصور جمالية، بل هي السرد كله، فالحيوانات ( الدجاج) هي الشخصيات الفنية، وهي التي تنتج الأحداث، وتقود حركة السرد، ولربما جاء ذكر الإنسان بصورة طارئة، ذلك أقول أن هذه التقنية مقلوبة في هذا العمل، والدليل على ذلك أن الكاتب اخترع قاموسًا لغويًا موازيًا للغة البشر( توازي لغوي) ليثبت جبن المجتمع العربي، فاستخدم قاموسًا ( دجاجيًّا ) وهذا إطناب مقصود بسخرية عالية وتهكم يعكس غضب الإنسان العربي الوطني.

فنجده يسمّي صلوات الشكر ب ( النقة السابعة):     

نَقْ نَقْ نَاقْ…

نَقْ نَقْ نَاقْ…

نَااااااااااااااااااااقْ

كما جعل التأريخ بعدد ( الدورة التفقيسية)  بدلًا من اليوم والشهر والسنة

جهاد السفاد بدل النكاح

المزبلة بدل الحديقة أو الدار

العرف المقدّس بدل من الكتاب المقدس

 الكشكول المقدس بدل الكتاب المقدس

صات ” أبونبوت” كما لم يفعل من ذي قبل : نقنقة كفر، وبقبقة إلحاد …..63

نقة بدل كلمة.

وهناك العديد من التقنيات السردية الأخرى التي وظفها الكاتب في المتن، منها: تقنية الحافز، تقنية الزمكانية،  تقنية الصراع، تقنية السياق، تقنية الحبكة، تقنية العقدة، تقنية الدلالة المضمرة، تقنية الاسترجاع…..إلخ.

يكتب الكاتب بأسلوب أدبي لافت على لسان السارد الثالث ( كلّي العلم)، مستخدمًا الكثير من التقنيات الأسلوبية، منها تقنية اللغة المجازية بأنواعها ( التشبيه، الاستعارة، الاستعارة / الكناية، المجاز المرسل، المحاكاة الصوتية ….), تقنية التوازي اللغوي، والتوازي البلاغي، …. تقنية الإطناب في الوصف، والحوار الخارجي، تقنية الحوار الداخلي، تقنية المناجاة،…… والأمثلة من المتن كثيرة جدًّا.

  • المستوى السيكولوجي:

ينضوي تحت هذا المستوى العديد من التقنيات التي تدخل ضمن المداخل النفسية الثلاثة، منها:

  • التقنية السلوكية في المدخل السلوكي:

وعلى اعتبار “أنّ القراءة النفسية للنصّ الأدبي تقع ضمن منظومات القراءات المتعدّدة التي جربت أدواتها النقدية في دراسة النص وهي ليست معزولة عن غيرها”[1]، بل اشتركت بتداخلات مهمة حصلت بين تلك القراءات، ومن منطلق أن الأدب سلوك إنساني راق، يبحث الناقد عن جميع التساؤلات والإشكاليات والجدليات الاستفزازية المثار في العمل الأدبي، والتي تحتاج إلى إجابات، قد يودعها الكاتب في نصّه، أو يترك للقارئ مهمة البحث عن إجاباتها كردّ فعل على فعل المحفر ( التساؤلات)، هناك  تساؤلات فلسفية دينية، منها:

  • أليس غريبًا يا ودّان أن يكون وسيطك إلى الله مخلوقًا مثلك ؟ ص 50

سؤال طرحه الحكيم على القائد ودّان  عندما كان في طريق الحج إلى العرف المقدس، ويجيب عليه حتى قبل طرحه، لأن الطرح جاء بعد تحليل فلسفي لمفهوم الأعراف الوضعية:

  • …. الأكثرية تسن أعرافًا من قيود وسلاسل تكبّل كينونة صنوهم المخلوق لتستعبده باسم الله، … المشكلة الكبيرة يا ودّان هي أن الرعاع يعزفون عن التواصل مع الله بروحية النقاء، ويخضعون للوسيط الكاذب المخادع ….. ص 50
  • تقنية التناص في المدخل التوليدي:

تناص بلاغي من النص القرآني:

 عشاق الطبيعة يقولون ما لا يفعلون. تناص مع الآية 226 من  سورة الشعراء( وأنهم يقولون ما لا يفعلون)

لا تذرني وحيدًا.  تناص مع آية ( وزكريا إذ نادى ربّه رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين)الآية 89 من سورة الأنبياء

تناص بالتقنية الرمزية : يتناص مع كتاب كليلة ودمنة، ورواية ( مزرعة الحيوانات ) لجورج أوريل.

  • تقنية الوعظ في المدخل الاستنباطي :

هناك الكثير من الحكم والمواعظ حفلت بها الرواية, منها على سبيل المثال: 

  • العرف المقدس الذي يعرفه الحكماء والعلماء هو المعرفة، لنبجّل ونحسبهم رمزًا للعطاء والمثابرة، ونقدّس عطاياهم من دون دمجها في قدسية الخالق ونعتها بما لا يليق …. ص 52
    • لولم تسلموا ثروتكم لعدوكم لما استولى على مملكتكم وسلب أطفالنا ثقافتهم والولاء لوطنهم   ص 216.
    • الحياة أثمن من تاريخ لا يمكن تغيير شيء فيه فيما يمكن لصوص صغير أن يزرع حبة قمح وتصبح سنبلة  ص 255
    • سُدّ الثغرات وأحط نفسك ببطانة مخلصة  ص 300
  • المستوى الأخلاقي :

ماعاد الأدب صامتًا في هذا العصر المنهار، والأدباء ألسنتهم سيوف بتارة بوجه التدني الإنساني، لذلك نجد الكاتب يستل قلمه مدفعًا  غاضبًا في وجه كل المظاهر السلبية التي انتشرت في مجتمعه بخاصة والإنسانية بعامة، العنصرية والعدائية والخيانة والطغيان والذل والتخاذل والتجهيل والإفقار والتفاهة والانحلال الأخلاقي والفكري والحضاري، وما إلى ذلك من موبقات تنحدر بالإنسانية عميقًا إلى الدرك الأسفل. كل التحية له على حسّه الإنساني والوطني المخلص، وننتظر منه المزيد.  

                                                                د. عبير خالد يحيي      الاسكندرية    16 نوفمبر 2023                  

المصادر والمراجع

  1. رواية / العرافة ذات المنقار الأسود/ – محمد إقبال حرب- دار النهضة العربية – بيروت – لبنان- 2023
  2. الذرائعية في التطبيق طبعة مزيدة منقحة -العراقي عبد الرزاق عوده الغالبي/ د. عبير خالد دار النابغة للنشر والتوزيع – طنطا – 2019
  3. الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية –عبد الرزاق عوده الغالبي/ د.عبير خالد– دار النابغة للنشر والتوزيع- طنطا- 2019 
  4. الذرائعية والعقل -عبد الرزاق عوده الغالبي / د. عبير خالد يحيي– منشورات اتحاد الكتاب العراقيين -2021
  5. الذرائعية والتحليل النقدي العلمي – عبد الرزاق عودة الغالبي – ط1- مطبعة الرفاه 2022- بغداد – العراق.
  6. تحليل نقدي في أدب الفانتازيا والخيال العلمي عند المنظر عبد الرزاق عوده الغالبي- دراسات ذرائعية للناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي/ إصدار دار المفكر العربي – القاهرة2020
  7. 7-      الدكتور محمد عيسى – القراءة النفسية للنص الأدبي العربي .

[1] – الدكتور محمد عيسى – القراءة النفسية للنص الأدبي العربي – ص17

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmailby feather

More Stories

You may have missed