دراسة نقدية للناقدة سهيلة حماد، للقصَّة القصيرة (موعدٌ على الجليد) بقلم د. مديح الصادق.
1 min readدراسة نقدية للناقدة سهيلة حماد، للقصَّة القصيرة (موعدٌ على الجليد) بقلم د. مديح الصادق.
العتبات: الحدث: مغادرة أنثى لسريرها.
المدخل : ما يصدمك منذ الاستهلال، ويذهلك وينشيك، براعة التّصوير ودقّة الوصف، و حسن تأثيث بيئة النصّ، التي تضعك في إطار الزّمكان وتدخلك في سايكولوجية الإنسان، براعة نشّطت الخيال؛ لتجعلك تستحضر البطلين لشدّة فرط ما بثّ في القصّة من روح، تحرّك لدى المتلقّي صورا كصور متحرّكة في ركح ذهنه….في مشهديّة عالية الجودة …
استهلّ الكاتب قصّته، موغلا في إيهام المتلقّي بصدق حكيه، باستدراج هذا الأخير، إلى عالمه التّخييلي، ليتقلّص عالم القارئ وتنطفئ كلّ أضواء واقعه، لفائدة ركح الحدث، الذي أتقن القاصّ تأثيث تفضيته، بشكل باهر، مشغّلا كلّ (كاميراته)، لرصد كلّ التّفاصيل، تلك التّفاصيل المحدِثة للفارق، بين حكيٍ وحكيٍ لنفس الحدث، مشاغبا متعالقا مع كلّ الحواسّ والأحاسيس، حيث استهلّ المشهد، بوصف دقيق، لبعض الأصوات، بطريقة سينمائيّة، بانوراميّة، فعّلت الصّورة والصّوت معرّفة بالزّمان والمكان، مؤطّرا الحدث تأطيرا نفسيّا محكما، جعل القارئ لا مشدوها منبهرا فحسب، بل منندمجا اندماجا كلّيا، مرتبكا بفعل تأثير الموسيقا التّصوريّة المرافقة،للمشهد، التي لعبت دور الرّوح في الجسد… المتمثّلة في نغمات أصوات رشقات حبّات المطر الخفيفة على الزّجاج، إلى جانب عواء الرّيح الذي يشبه اختلاط نشيج الغابة بعويل ذئابها، المتوّج بصوت مؤذّن الفجر من المسجد المجاور، بحشرجته وحباله المتقطعة….
كما نلاحظ أنّ إنشاء الجمل، بُني على الاستعارة المكنيّة، المولّدة ل(كون من المعاني)؛ يزفّها إلينا الخبر القائم على جدليّة الصّراع الأزلي، الموقّع والواقع بين الحقائق في حدّ ذاتها، المرتبط بثنائيّة (البداية والنّهاية)، الفعل والانفعال، الخصوبة والقحط، الأمل والهمّ، السّعادة والتّعاسة، البعث والعبث، الخلق والعدم، الفراغ والامتلاء؛ فسقوط المطر حامل لنهاية القطرة في حدّ ذاتها، كنقطة ماء، معلنا تحوّلها بإعادة تشكّلها في دورة جديدة لبداية أخرى في رحم الأرض؛ محدثا الرّطوبة للتّربة لسقي زرع ليزيد في خصوبة تربتها، وفي نسبة الحياة والكينونة، في سيرورة الاستمرار، كذلك السّرير يوحي بالمشاعر الوهّاجة، بالفعل والانفعال، بالدّفق، بالخصوبة. وفراغه يؤازر العواء، ويفعّل انفعال الوحشة، والفراغ، والخوف، والارتباك؛ في حين أنّ الرّيح محرّك أساسيّ وعامل مهمّ مفعّل لفعل اللّقاح، لكونه حاملا وجاذبا، ومتصرّفا فيه، يُبقي على السّلالة ويحافظ، و قد يُتلف، كذلك الشّمس فلولاها لتوقّفت الحياة ولابقي للفعل أيّ معنى، لتصحّرت وصارت جمادا باردا صقيعا ككتلة جليد في مكان بعيد… أمّا الأذان فهو التّغيير والانتقال من حال إلى حال، ومن زمن إلى زمن، فهو الأمل والإيمان والاستقرار والفوز بالسّعادة الأبديّة، فعند الفجر وقبل انبلاج الصّبح يتمكّن المرء حينها- في الفترة القصيرة نسبيّا مقارنة مع كينونة الزّمن، الزمن الدّائري الكلّي في معناه الشّامل- من فرز الخيط الأبيض من الخيط الأسود، مّا يؤكّد أنّ دوام الحال، من المحال، غير أنّ الوصف المقترن بخروج الصّوت، و(حشرجته، وحباله المتقطّعة) يثير قلق المتلقّي، لأنّ المعنى يقترب بنا إلى عالم السّكون، ذلك أنّه بانقطاع الحبال ينقطع كلّ أمل في خروج يوسف من قاع البئر، وبانقطاع الحبال أيضا، ينقطع حبل الوصال والأمل في الحياة، لكن بالرّغم من هذا وذاك العويل، إلّا أنّ الأمل مازال قائما مادام في الجسد روح؛ “طالما أنّ الدّم ما زال يجري في العروق” على رأي أحد الملاحين الإيرلانديين النّاجين من الغرق بعد تحطم سفينتهم، الذين قذف بهم قارب النجاة بالقطب الشّمالي، في ليل حالك دامس مظلم طويل، في رواية (الرّجل السّابع) للكاتب الإنجليزي (مايكل ريد جريف).
المهمّ في هذا أنّ كلّ هذه الأصوات، لم تكن السّبب المباشر في أرق البطلة، وحرمانها من نوم هادىء مريح، كسائر الخلق، شيء ما أقضّ مضجعها، مّا جعلها تغادر سريرها، ذلك أنّ إيقاع ضجيجها الدّاخلي كان أكثر صخبا على ما يبدو من الوصف… شعور جعلها تشعر بالامتلاء بالصّراع… (فأعلنت الحرب على النّوم) لفظ الحرب هنا، جاء دلالة أيقونيّة بالغة المعنى، يأتي ليؤازر تلك الثّنائيّات، التي كنّا قد أشرنا إليها سابقا، ويفتح مسارا آخر وبؤرة سرديّة، تفعل الاغتراف من قعر الذّات، حيث تشير إلى احتدام الصّراع النّفسي الدّاخلي، وربّما الخارجي ، فيعمّق فضول المتلقّي، ولهفته التي باتت قاب قوسين من الانفجار، فالحبكة متماسكة، بطريقة محكمة، مازالت منطقيّة رغم صبغة المخاتلة في كشفها وتمنّعها في دلال كغزال يراود عن نفسه متمنّعا في حياء، تشويق يشبه البحث عن الحقيقة في الرّوايات البوليسية، كلّ معطى له دلالاته وانزياحاته بشكل يدفع بمسار التحقيق لبلوغ الحقيقة.
تهيىء لنا أنّ الجمهور من شدّة التّأثّر والانبهار وقف مصفّقا في نهاية المشهد الأوّل، وكلّه شوق لمعرفة المزيد من الكلام المفيد الذي يخدم سرعة بلوغ لحظة التّنوير طالما أنّ العنوان (موعد على الجليد)؛ زاد في الغموض، ولم يفك الرموز، وورّط المتلقي بإدخاله في لعبة السّرد والكتابة عبر ترك فراغ تعلنه النّقاط المتتالية… فهو الآخر، أي العنوان؛ يعمّق فكرة التّصحّر، والبرود، ويؤجّج في الموعد الوهج والانتظار، فالصّراع كما نرى قائم على قدم وساق، فلا بدّ أن ننتقل إلى زاوية أخرى للنّظر، كالبحث في القفلة، طالما أنّ صبرنا قد نفد، لنتابع بقيّة الحكي على مهل ما دمنا على عجل.
القفلة: صادمة (موعد على الجليد) و وبقايا مجرّد قصائد في مسودّة ديوان مفارقة يقابلها تبخّر حلم أذابته شمس الوهم، لتلاعب شاعر بمشاعر مجنونة عشقته بصدق جنون الحب.
العنوان: الإبداع، الغزل بين المعنى والمبنى وصفاء اللّغة ونقاوتها،إنّ سرعة التّنقّل، والقفز، من نقطة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر، بعدد قليل من الكلمات في جوّ من التّعابير الرّومنطيقيّة، المتأرجحة بين تكثيف وحذف، وجمل فعليّة، تلعب دور المحرّك للفعل وللحركة وأخرى اسميّة، واسمية مسبوقة بناسخ، تعمل على مزيد الهدوء ووضوح الرّؤية، لدعم تجلّي الحقيقة، حيث تؤخّر الإعلان عن الخبر، لتزيد في التّشويق، ولتجعلنا نتأكّد بما لا يجعل مجالا للشكّ، بأنّ اللّغة قادرة بحروفها أن تنحت الحدث، وتصنع محرّكه، و وتؤرّخ تاريخ الحدث، بدايته، والتّحكّم في خيوط اللّعبة السّرديّة… في وضع النّهاية المفتوحة، المعدّلة لنقل وصف المشاعر المرهفة، أو الملتهبة بسرد ما نحبّ أن نكتب عنه، أو عما يؤرّقنا أو نكتب حتى عمّا نبغضه و نمقطه، المهمّ أن نفسح لأنفسنا مجالا للتّعبير، في تنضيد لغوي، يتماشى مع الشّخصيّة، وأن ندرك مسبقا أنّ القصّة هي تعبّر عن شريحة من المجتمع، تفجّر حدثا تحيط به من كامل جوانبه، بطريقة محايدة، من دون تسلّط، فاسحا المجال للشخوص، عن التّعبير عمّا يخالجهم، مع مراعاة وحدة الحدث، على أن يخدم الكلّ موقف الحدث الأصلي وينمّيه، فوحدة المكان والزّمان وكذلك الحدث شرط أساسيّ، مع بعض المرونة في التّطبيق شريطة أن يكون موظّفا لصالح الحكائيّة لتظلّ القصّة محافظة، على جنسها، فهي واقع نهرب إليه ينسينا واقعنا، بكلّ هنّاته وترهّلاته، ويجعلنا نحلم فيه ونتأمّل ونأمل بلوغ واقع جديد، واقع آخر، لبلوغ ما نصبو إليه، وما نريد .
قد يكشف بعض أمراض العصر على حسب ما يقتضيه الدّور، كما هو الحال في هاته القصّة التي أحسن فيها الأديب تصوير الصّراع المتمثّل في عدم قبول الأجنبي، كصهر كما أحسن البطلان تقمّص دورهما، مّا يؤكّد أنّ ذلك كان نتيجة معرفة قريبة لسُلِك مشابهة للشّخصيتين، ما مكّنه من تصوّر الأفعال والمشاعر والتنبؤ بردّة الأفعال وللمشاعر فنتج عن ذلك أنّه أقنع المتلقّي، بأنّ القصّة واقعيّة جدا، وقد نجح القاصّ في البثّ فيها من روحه، حيث نقل الانفعالات بطريقة محكمة، نتيجة معرفة مشاعر حالة من اختار أن يكتب عنهما، وقد أثبتت اللّغة أنّها تماهت مع الفنون المجاورة دقّة وتدقيقا كفنّ الرّسم والعزف والتّصوير الفوتوغرافي، الخاطف المسجّل للّحظة والمثبّت لها، المُوقف إيّاها في الزّمن المجرّد، ليتماها بالخلود رغم السّكون، كما تماهت بالإخراج السّينمائي من حيث التقطيع المشاهد واستخدام عددا لا محدود من العدسات التي ساهمت في تحريك المشاهد … وخير دليل على زعمنا هذا، هو المثال الذي اقتطعناه من المتن الذي نورده في النّهاية لما فيه من رمزيّة ودلالة على أنّ الشّمس كما هي آية من آيات الله، التي أقسم الله بهاء في القرآن وجعلها إسما لسورة و”الشمس وضحاها” وكما ردّدها أحد أبطال رواية الرّجل السّابع في المشهد الأخير على “أنّ الشّمس آية من أيات الله ” عندما بزغت منيرة لظلمتهم معلنة البشرى والأمل في العودة … فالشّمس في هذا المقطع كانت هنا أيضا آية من الإبداع واقعة بين دفتي المعنى والمبنى … حيث أبرز التّركيب والتّلاعب بالجملة مدى قدرة بلاغة اللّغة في إيصال المعنى كنقطة ضوئيّة، تلتهم الظّلمة كبريق برق في عتمة، كماكر يعتمد استراتيجية الكرّ والفرّ، يخطف الأبصار.
القفلة : صادمة موعد على الجليد و وبقايا مجرّد قصائد في مسودّة ديوان مفارقة يقابلها تبخّر حلم أذابته شمس الوهم، لتلاعب شاعر بمشاعر مجنونة عشقته بصدق جنون الحب. العنوان : الإبداع الغزل بين المعنى والمبنى وصفاء اللّغة ونقاوتها إنّ سرعة التّنقّل، والقفز، من نقطة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر، بعدد قليل من الكلمات في جوّ من التّعابير الرّومنطيقيّة،المتأرجحة بين تكثيف وحذف، وجمل فعليّة، تلعب دور المحرّك للفعل وللحركة وأخرى إسميّة، وإسمية مسبوقة بناسخ، تعمل على مزيد الهدوء ووضوح الرّؤية، لدعم تجلّي الحقيقة، حيث تؤخّر الإعلان عن الخبر، لتزيد في التّشويق، و لتجعلنا نتأكّد بما لا يجعل مجالا للشكّ، بأنّ اللّغة قادرة بحروفها أن تنحت الحدث، وتصنع محرّكه، و وتؤرّخ تاريخ الحدث، بدايته، والتّحكّم في خيوط اللّعبة السّرديّة… في وضع النّهاية المفتوحة، المعدّلة لنقل وصف المشاعر المرهفة، أو الملتهبة بسرد ما نحبّ أن نكتب عنه، أو عن ما يؤرّقنا أو نكتب حتى عمّا نبغضه و نمقطه ، المهمّ أن نفسح لأنفسنا مجالا للتّعبير، في تنضيد لغوي، يتماشى مع الشّخصيّة، وأن ندرك مسبقا أنّ القصّة هي تعبّر عن شريحة من المجتمع، تفجّر حدثا تحيط به من كامل جوانبه، بطريقة محايدة، من دون تسلّط، فاسحا المجال للشخوص، عن التّعبير عمّا يخالجهم، مع مراعاة وحدة الحدث، على أن يخدم الكلّ موقف الحدث الأصلي وينمّيه، فوحدة المكان والزّمان وكذلك الحدث شرط أساسيّ، مع بعض المرونة في التّطبيق شريطة أن يكون موظّفا لصالح الحكائيّة لتظلّ القصّة محافظة، على جنسها، فهي واقع نهرب إليه ينسينا واقعنا، بكلّ هنّاته وترهّلاته، ويجعلنا نحلم فيه ونتأمّل ونأمل بلوغ واقع جديد، واقع آخر، لبلوغ ما نصبو إليه. وما نريد . قد يكشف بعض أمراض العصر على حسب ما يقتضيه الدّور، كما هو الحال في هاته القصّة التي أحسن فيها الأديب تصوير الصّراع المتمثّل في عدم قبول الأجنبي، كصهر كما أحسن البطالان تقمّص دورهما، ممّا يؤكّد أنّ ذلك كان نتيجة معرفة قرببة لسلوكات مشابهة للشّخصيتين، ممّا مكّنه من تصوّر الأفعال والمشاعر والتنبؤ بردّة الأفعال وللمشاعر فنتج عن ذلك أنّه أقنع المتلقّي، بأنّ القصّة واقعيّة جدا ، وقد نجح القاصّ في البثّ فيها من روحه، حيث نقل االانفعالات بطريقة محكمة، نتيجة معرفة مشاعر حالة من اختار أن يكتب عنهما وقد أثبتت اللّغة أنّها (تماهت) مع الفنون المجاورة دقّة وتدقيقا كفنّ الرّسم والعزف والتّصوير الفوتوغرافي، الخاطف المسجّل للّحظة والمثبّت لها المُوقف إيّاها في الزّمن المجرّد، (ليتماهى) بالخلود رغم السّكون، كما (تماهت) بالإخراج السّينمائي من حيث تقطيع المشاهد، وخير دليل على زعمنا هذا المثال الذي اقتطعناه من المتن الذي نورده في النّهاية لما فيه من رمزيّة ودلالة على أنّ الشّمس كما هي آية من آيات الله، التي أقسم الله بها في القرآن، وجعلها اسما لسورة {والشمس وضحاها}، وكما ردّدها أحد أبطال رواية (الرّجل السّابع) في المشهد الأخير على أنّ (الشّمس آية من أيات الله) عندما بزغت منيرة لظلمتهم معلنة البشرى والأمل في العودة، فالشّمس في هذا المقطع كانت هنا أيضا آية من الإبداع واقعة بين دفتي المعنى والمبنى، حيث أبرز التّركيب والتّلاعب بالجملة مدى قدرة بلاغة اللّغة في إيصال المعنى كنقطة ضوئيّة، تلتهم الظّلمة كبريق برق في عتمة، كماكر يعتمد استراتيجية الكرّ والفرّ، يخطف الأبصار.
وقد برهن القاص قدرته على نسج حكي على غاية من الإتقان حيث استطاع أن يفعّل عدّة معطيات لصالح حدث بدا في ظاهره بسيطا، غير أنّه كان كالحمار الحامل لأوزار المواطن العربي المغترب المقترن بالغياب والتّغييب، وبالرّحيل وعدم الاستقرار، نتيجة عدم شعور بأمن وأمان، واطمئنان على قوته وقوت أولاده؛ فهو المهاجر والمهجّر، الواقع عليه الفعل الموحي بالغربة والاغتراب، والعيش على الأمل، على الطّموح بانبلاج صبح افضل مزيح للعتمة، ولظّلمة، ليل طويل حالك، شبيه بليل في القطب الشّمالي، حيث يحلم سكّانه بعودة النّور والفرج، والبعث وشروق شمس من جديد تمحو بأشعتها الظّلمة وتبعث في الجسم دفئا تنسيه الصقيع.
صور شاعريّة شعريّة ودقّة في التّوصيف وفي رصد الحدث بإتقان، خدم الحدث الأصلي، من حيث نقل الصّورة الحيّة لغياب الشّمس ولعودة بزوغها من جديد، مع وصف دقيق مفصّل لوضع مجتمعات مقهورة، تعيش واقع القطيع تشكو الرّتابة والملل المقيط حيث التّسلّط يحيط بها من كلّ حدب وصوب، حيث لا خيار لها ولا اختيار غير ما قُدّر من طرف من قُدّر له، أن يكون الرّاعي، فضمير الأنا العليا، متسلّط متجبّر بحكم العرف والتّقاليد. و(الأنا) تتقاذفها الرّغبات والطّموحات، وتزعجها الحدود، والحواجز باسم العرف والممنوع وباعتبار الممنوع مرغوبا، تبقى نفس الضّحيّة تتأرجح بين القبول بالأمر الواقع، لتسلَم من الاحتدام بالسّلطة القاهرة، وتلبية نداء النّفس الجامحة، والتّوق إلى الهروب مع من تحبّ، وباعتبار أنّ الشّباب هو رمز التّمرّد على الموروث والتّهوّر، فقد جعل الكاتب من البطلة لا تذهب إلى الحلم بل راحت تهيء نفسها، لاستقبال يوم جديد، لتلقى من توهّمت أنّه يساندها في موقفها، عرّجت على جانب من الممنوع باسم العرف، هو عدم تزويج أنثى من غريب ولم تذكر معاناة زوجة الأستاذ لو أنّه فعلا اختارها وقبل عرضها، ألن تكون قد بنت سعادتها على تحطيم سعادة أخرى؟ وهل تقبل فعلا بهذا ؟؟ هل تقبل أن تتشرّد عائلة بسببها، والحال أنّ بإمكانها أن تتزوج من آخر، من سنّها؟ وهل فعلا من كان يكبرها قادر أن يفهمها ويتنازل بالنّزول عند عاداته التي اكتسبها، تلبية لكلّ طلباتها التي تتماشى مع عمرها وزمانها؟ الذي لا يشبه زمانه، وهل فعلا سيلبي رغباتها كما كانت تعتقد فعلا؟ وإن تمكّن لفترة معلومة؟ هل فعلا يكون قادرا أن يستمر في ذلك؟ أو أنّ كلّ ما في الأمر أنّها تبحث عن شبيه لسلطة ألفتها؟ وغير قادرة ان تتخلّص منها؟ فالفرق واضح وسنّ اليأس هو حقيقة فيزيولوجية للجنسين؟ وقد خرجت في هذا دراسات، أسئلة مازالت محيّرة نسمع عنها، ولا يكاد يمرّ يوما دون أن نسمع عن ضحاياها.
موضوع حارق يعيشه بعض الأساتذة ممّن كان لهم حسّ إنساني عال ينجذب له الطّرف المقابل سواء كان من الذّكور أو من الإناث، فكما تنجذب الفتاة إلى من يكبرها فكذلك قد ينجذب الطّالب لأستاذته، وفي هذا لنا في الرّئيس الفرنسي الحالي خير دليل على زعمنا بأنّ الأمر وارد في الجنسين… ولنا في الرسول أسوة؛ رغم أنّ العربي حريص على تطبيق سنة الزواج بأربع موقفا كل السنن، ” فهي أساساً لم تغمض الجفن منذ أن ودعت آخر خيط للشمس حتى استقبلت أول خيوطها، أعلنت الحرب على النوم، فلَيل الشتاء بطوله لم يكن كافياً لمستلزمات اللحظة الحاسمة المنتظرة، وجبة العشاء مع الأسرة ليست أمرا مُهمِّاً، التلفاز برامجه تافهة مُكررة، جلُّها لخطابات القائد، مباراة الشطرنج مع الوالد أُُلغيت، رغم أن الساعات مرت ثقيلة كضيف ثقيل يجثم على صدرها في لحظة هي فيها بانتظار من تحب، “
الأسلوب: أبدع القاصّ بشكل رهيب تقشعرّ له الأبدان لفرط الإيهام بصدق الحدث، وإتقان الغزل والتّوليف، ولجمال اللّغة وصفائها لنقائها ولرقّتها وعذوبتها فكانت سلسبيلا تروي العطشان لجمال السّرد والوصف وللذّة النصّ ولبراع تقمّص الدّور والغوص في أعماق الذات، نص حقيق بالمطالعة يمكن أن يُستغلّ في مجال التّعليم والتّدريس البيداغوجي، كنموذج لسلاسة بلاغة الأسلوب، لدقّته ولرقّته، لفصاحته ولعذوبته، للذّة إتقان تنامي الحدث، لاكتمال البناء، لاحتوائه لكلّ عناصر القصّة القصيرة من تشويق وحبكة وغيرها، لنبضه ولتناغمه ولتناسق إيقاعه، واتّساق روحه مع الجسد….
……………………………………………………………………………
موعدٌ على الجليد… قصَّة قصيرة.
بقلم د. مديح الصادق… من العراق، مقيم في كندا.
لم تكن رشقات المطر الخفيفة على زجاج نافذتها المُطلَّة على الشارع العام سبباً في مغادرتها السرير، بل لم يكن عواء الريح الذي يشبه اختلاط نشيج الغابة بعويل ذئابها هو الذي أقضَّ مضجعها، ولا صوت مؤذن الفجر من المسجد المجاور بحشرجته وحباله المتقطعة، لاهذا ولا ذاك؛ فهي أساساً لم تغمض الجفن منذ أن ودعت آخر خيط للشمس حتى استقبلت أول خيوطها، أعلنت الحرب على النوم، فلَيل الشتاء بطوله لم يكن كافياً لمستلزمات اللحظة الحاسمة المنتظرة، وجبة العشاء مع الأسرة ليست أمرا مُهمِّاً، التلفاز برامجه تافهة مُكررة، جلُّها لخطابات القائد، مباراة الشطرنج مع الوالد أُُلغيت، رغم أن الساعات مرت ثقيلة كضيف ثقيل يجثم على صدرها في لحظة هي فيها بانتظار من تحب، إلا أنَّها استطاعت أن تنجز فيها الكثير مما خططت له، في شعرها جرَّبت أشكال التسريحات حتى استوقفتها واحدة طويلا أمام المرآة، عشرات الفساتين آخرها باللون الأحمر موشح بالأسود قد لف الجسد الفارع الذي زاده بهاء طوق ذهبي عانق أخيه، أساور، وأقراط تراقصت حول المعصمين، رشات عطر تذيب قلوب الرجال المتجبرين.
جيئة وذهابا تقطع الغرفة، كواحدة من مستعرضات الأزياء، ما أن تصل الباب حتى تستدير بسرعة نحو المرآة، كتفيها تهز مرة، وردفيها مرة أخرى، أنغام أغنية أعادت سماعها للمرة العشرين، العالم أجمع في قبضتها اليوم، ملكة سلطت على نساء الأرض، جنون هو الحب ما بعده جنون، شلال هادر يفتت الصخور، ويبعث الحياة ْْوالأمل، طائر محلق في الفضاء لاتحدّه مخافر ولا عساكر، أتعلمون لماذا تصنع المدافع؟ لماذا يجوع الفقراء؟ لماذا ترسم الحدود بين البشر؟… عندما يُحبَس الحبُّ تحلّ الكوارث، وعندما يختفي يفنى الكون، كلُّ شيء جميل هو الحب.
لا أدري من أين يأتي بالكلام الجميل، أيخرجه من حقيبته؟ كان ذلك آخر ما قال في محاضرة علم الأسلوب، حين قصدتُ إحراجه بسؤالي التافه: ما علاقة الحب بعلم الأسلوب؟ ويومها أدركتُ كل الأسرار، العالم ما زال قائما لأن نبع الحبّ لم ينضب بعد، لله درُّكم أيها العراقيون، أهكذا تفهمون الحياة وتفهمون الآخر؟ وهل يصدِّق عاقل أن بعضكم يذبح بعضاً؟ مستحيل، لا أصدق، مستحيل، قرأنا في كتب التأريخ عنكم، وكيف صنعتم الحياة، واليوم إلينا أقدامكم ساقتكم، قسراً هاجرتم، هأنذا في شخص أستاذي أراكم، أحبُّكم، أحبُّكم، وأنت أيها الأستاذ العراقي العنيد، المكابر، ملءَ جوارحي أهواك، وأعشقك، مهما عنك قالوا: أجنبي وقومي لا يصاهرون الأجنبي، طالبة أنا وأنت أستاذي، تكبرني كثيراً في السن، لك زوجةٌ وبناتٌ، قاسٍ أحيانا عند الجدّ، لا يهمّ… أهواكَ، أهواكَ، أهوااااك…
آه، كم تألمتُ، آه، كم من ليال سهرتُ، من يومها، السنة الأولى، اليوم الأول، المحاضرة الأولى بدأ المشوار، من يومها كان نصيبي الامتياز؛ لأني أحببت، صدقوني، هذا هو الحب، كتبتُ عنه قصائد، خواطر، ألم يراجعها معي على انفراد؟ علاماته لايفقهها إلا الراسخون في الحب، ارتخاء الجفون، ارتجاف الشفتين، اهتزاز الجسد، دوران الأرض تحت القدمين، نسيان الكلام، وأشياء أخرى لا تقال…
ما بيدها أزاحتْ دون اكتراث، نحو النافذة هرولتْ بلا شعور، كان دويّ تصادم مركبتين قويا جداً، يا ألله، من كل مكروه احفظه، أبعد عنه الشر، وعداً لي قطعَ اليوم، وأقسَمَ إنه سوف يبوح، يبوح اليوم لي بسرٍّ عظيم، سرٍّ طواه مذ عرفتُه طالبة خجولة، وهأنذا اليوم- بإشرافه- معيدة في القسم، اليوم، أخيرا سينحني صاغراً، مُعترفا بحبِّه لي، وسوف أحتمي بالقاضي، فمذهبُنا يشترط حضور ولي الأمر في عقد الزواج، وإن تجاوزت الفتاة سنّ الرشد، ألم يقلها هو: كلّ رهان خاسر إلا الحبّ؟ ألم يضرب مثلا: دجلة والفرات، وكيف تعانقا بعد فراق؟.
الشبَّاك ظل مُشرعاً، سيأتي ملاكا طائراً، يحطم الأسوار، ويحملها إلى هناك، لأرض الرافدين، إنه الحلم قد تحقق اليوم، رنَّ المنبِّه، الثامنة، ساعة الصفر، حملت حقيبتها، هرولت، الباب ظل مُشرعاً على مصراعيه، لم تلتفت، هاهي على الرصيف، ها هو قادم، سيارته بالمحاذاة، سيفتح الباب وننطلق، وتبدأ الحياة، تسقط الحدود، تُحرَق الكراسي، ألم أجزم بأنَّ الحبّ هو الباقي، الحقائب فوق السيارة قد رُصفِت، لابد أن تذكرتَينِ من طرابلس الغرب إلى بغداد قد حَجزَ لنا…
يداه ترتجفان، فتح الباب مُتردداً، الرباط نفسه الذي أهدته إياه يوم التخرج، نفس البدلة السماوية التي رأته فيها أول نبضة حبّ، أول يوم، السنة الجامعية الأولى.
لم يفتح الباب، كحلمِها لتركب…
ناولها مُسوَّدة ديوانه الشعري (قصَّةُ مجنونَين)…
الصفحة الأولى: الإهداء..
أُهدي نبضاتي إليها… تلكَ المجنونةُ
التي أيقظتْ في داخلي شيطانَ الشِعرِ
فكانَ أجملَ حلمٍ في حياتي…
by