قراءة بعنوان (البعد الصوفي في الديوان من خلال بعض القصائد المنتخبة) عن المجموعة الشعرية (على كتف النهار) للشاعرة السورية سمر الديك بقلم الناقدة التونسية الأستاذة سهيلة حمّاد
1 min readقصيدة بلا إنذار تصف عمق الوحشة التي خلّفها الفقد، لدى الشّاعرة نكتشف عبرها حبّا كبيرا يضارع العبادة، تتوسّد أشواقها الحالمة، فبلا إنذار يقتحم جسدها طيف حبيبها كالصّاعقة المتفجّرة من رحم السّراب ليتّخذ قلبها سكنا، فتتوسّد شوقها حزنا، فيتوحّد بها توحّدا، لتستفيق على وهم عبثيّة وجودها في غيابه، تُوقف الزّمن متسائلة عن ماهية هذا الحبّ الذي حوّلها إلى ناسكة بمحرابه تنتظر ساعة اللّقاء به، في انتظار أن يأذن لها مسرور الزّمكان لتستحيل روحا جميلة تستظل بنور حقيقة الكشف، لتحلّق مع محبوبها في عالم الخلود عالم الحقيقة المطلقة، بعد أن أودعت النّسائم سرّها وحنينها وأشواقها بعد أن تيقّنت أنّ ما عاشته ونقلته لنا ما هو إلّا طلاسم أفكار داهمتها نتيجة عبثيّة الأقدار واللّهفة للقياه أضرمتها نار العشق والشّوق لتلهو بها، فتشرّكنا معها لحظة الغوص في أعماقها، لنتفطّن تصوّفها في العشق، الذي بطّنته المعاني التي تدلّنا عليه بمفردها عبر مفرداتها المتدفّقة، على أثر تساؤلاتها التي وإن تبدو عفويّة بسيطة سهلة رخيّة تبوح بما خالج كيانها في ظاهرها، إلّا أنها تخفي نضجا وجوديّا صوفيا تقابلها نفسا نقية كنقاوة براءة طفلة
“تلهو بها كطفل يلهو بأشيائه المبعثرة:
” وبلا إنذار…
أرى طيفك يظهر
كالصّاعقة يحتويني
تتجوّل في جسدي
ثم تسكن في قلبي
هل يا ترى أنت قدري؟
أو أنت قاتلي؟
أأنت روحي…أم وجعي؟
ربّما أكون متصوّفة في عشقي
لكنّني مؤمنة بمحراب عشقك
لا يفصل بيننا سوى سيف المكان”
محقّقة بذلك مفارقة تجمع بين تهمة قدر وتجريم حبيب وتراجع واعتكاف بمحراب عشقه خالعة عليه عباءة الإيمان طوعا لتربط مع كتابيّ الآتي لنعانق معها معاناة ومكابدة كتابة أغنيّة حزينة تصف فيها غربتها وأشجانها وأشواقها في تشظي اللفظ والمعنى، التي لا تبارحها تلوك أحلامها متأمّلة لقاءه في ظلّ بريق طيفه في سماء قلبها الذي يمطرها شوقا ويثملها في يقظتها… ويلاحقها كظلها يعاندها
تتماها عبارات العشق والسكر لديها مع نشوة لذّة الأناشيد الصّوفية والرّقصات المولاوية التي تناشد التوحّد من أجل الفوز بإشراقة الحب الإلهي.. ليسحيل عشقها عشقا استعاريّا يأخذ تحت جناحه عشق الوطن والأمّة العربية برمّتها خاصة تلك التي اكتوت بحميم نيران ثورات لم تكتمل؛ شرّدت البعض، وغرّبت بعضا، وذهب ضحيتها بعض آخر مستشهدا آملا في الحرّية، في أن ينبلج صبح جديد فتحت لواء المناجاة في قصيدة (مناجاة) نفاجأ بحوار وكأنّنا في مسرحيّة غنائية “تختصر الأزمنة والمسافات ليحقّقا نبوءة القدر بلقائهما المشرئبّ”
لتكتمل الصّور الشّعرية المجازيّة المكنيّة الانزياحيّة التي تراقص الأمكنة والأزمنة والمقاييس باترة الكاف ليتكيف (الهنا بالهناك) ليدنو (الهناك من الهنا) ليندمج الكل في الكلّ فتختفي الملل والنحل والشرائع ليصبح هذا وذاك جزءا من كل، واحدا متوحدا.
كل هذا أملا في التغيير والرضا بالقدر المكتوب (للهي والهو) لاغين الحدود لينفتح الكل على الكل لتدور عجلة الزمان في قصيدة عجلة الحياة لنتابع رحلة قطار العمر تلاحقنا المعاني الصوفية في
” ما زلنا ندور وندور وتدور بنا الحياة” وكذلك الرّحيل في “بقايا راحلين” و”تُشرق عتمة ليالينا” و”عزلتي”
و”يبقى الحبّ” ” وننثر ضياءً.
by